لا يزايد أحد منا على وطنية الآخر، فهذا من الأوتار من الحساسة، و كما لا يزايد أحد منا على أن الوطنية هي العماد الذي تقوم عليه الدويلات العربية من المحيط إلى الخليج، بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية. و على أن الأساس التاريخي لهذه الإعاقات الجغرافية، عفوا الرقع الجغرافية قد نظر لها في مؤتمر فرساي و رسمت حدودها في إتفاقية سايس بيكو، و على أن المستفيد منها، ليس طبعا السواد الأعظم من الشعوب العربية المغلوب على أمرها، بل المتربصين بهذه الأمة و نخبة منتقاة تعد على رؤوس الأصابع تحمل إرثا تاريخيا ضاربا بجذوره إلى الخيانة و العمالة و رواسب الإستعمار، بحيث أنهم حصروا مفهوم الأمة و قزموه إلى مصطلح الشعب، و عملوا جاهدين على تفتيت لحمة هذه الأمة من خلال إحياء النعرات القومية و الجاهلية و الطائفية، و على تقديم العصبية للنجسية عفوا للجنسية على رابطة الدين التي تجمع أمة عن بكرة أبيها، و رفع شعارات لا تتماشى مع دستور هذه الأمة من قبيل الدين لله و الوطن للجميع، و بعث العادات و التقاليد الغابرة حتى الضاربة منها في عمق الخرافة لمحاولة إقناع كل قطر بخصوصيته، و حتى التنقيب في آثار أمم منسية في محاولة بائسة للبحث عن نسب مجهول يمتد إليها، و الأنكى أننا أصبحنا نسمع اليوم بمن ينادي بجعل اللهجات العربية المحلية لغات رسمية..
مع الأخذ بعين الإعتبار أننا قوم أعزنا الله بالإسلام، إن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله...
و صدقا، الحديث عن الوطنية حديث ذو شجون، خصوصا و أن الساحة العربية زاخرة بتداعياته، لا من خلال الملاسنات السياسية و التي تشهد عليها مائدة جامعة الدول العربية، و لا المناوشات الديبلوماسية و التي قد تصل حد النزاع المسلح، و طبعا لأسباب أبعد ما تكون عن المنطق، و لا تخرج عن دائرة المصالح الخاصة بأهل النفوذ و مناصبهم. و طبعا من منطلق منطق أن هذه الأمة أمة واحدة يجمعها بالدرجة الأولى رابط الدين الإسلامي، ثم روابط اللغة و العرق و التاريخ المشترك، و إن كانت هذه الروابط الأخيرة بغير قيمة إن فعلا تم تفعيل الرابط الديني، ما كنا لنتوقع ذات يوم أن نشاهد ملهاة بطعم مأساة على هامش مبارة كرة قدم بين فريقين مسلمين شقيقين يجمعهما ما جمع الأوس و الخزرج، و قرارات سياسية حازمة و سريعة تتخذ و سفراء يستدعون لم نشهد لها هكذا مثيلا في الشجب حتى و المسجد الأقصى ينتهك ليل نهار، و لا في التنديد بما يجري في العراق أو الصومال، مما يستدعي وقفة، إن كان الأمر يتعلق بمبارة كرة قدم أو بمحاولة لإمتصاص غضب الشعوب حول القضايا المصيرية لهذه الأمة، و غليانها من الأوضاع الداخلية و صرفه لغير محله إما بسهرة فنية أو بالإعلام الإستهلاكي أو بإفتعال النزاعات من لا شيء ؟..
فمن المستفيد ؟